إلى أي مدى سعاد بن عبد الرحيم خاطئة؟

دار تسجيل يوثق حوار بين سعاد بن عبد الرحيم، رئيسة بلدية تونس، ورياض المؤخر، وزير الشؤون المحلية والبيئة. لن أخوض في تفاصيل التسجيل والمونتاج وما يمكن أن يتغيّر في فهمنا إن اطلعنا على السياق أو التسجيل كاملاً. لن أتفاجأ أيضاً من تفاجؤ الكثيرين من محاولة رئيسة البلدية التأثير على وزير الشؤون المحلية والبيئة. في إطار سلطة محلية يضبط تفاصيلها أكثر من 35 أمر حكومي يحدد ملامحه وزير الشؤون المحلية ويصادق عليه مجلس وزاري، ماذا نتوقّع؟ من قال أنها لم تحاول أن تضغط على نواب الشعب أيضاً؟ هل تعتقدون حقاً أن لا رئيس بلدية قد حاول ممارسة أي نوع من الضغوطات خلال المصادقة على الأمر الحكومي الحالي المنظّم لمنح رؤساء البلديات؟ صدر الأمر الحكومي بعد 5 أشهر من تنظيم الانتخابات البلدية – وهذا كاف لي لتخيّل ما يمكن أن يكون قد أثّر على الأمر الحكومي من عوامل خارجية.

لكن أثارتني بعض الأمور:

  1. أن تطلب سعاد بن عبد الرحيم رتبة وامتيازات كاتب الدولة، وليس بالضرورة الراتب، أخذاً بعين الاعتبار أن راتب كاتب الدولة أقل من أعلى راتب ممكن لرئيس بلدية، حسب الأمر الحكومي المنظم لمنح رؤساء البلديات. بحثت عن ماهية امتيازات كاتب الدولة، ومعنى رتبته، ولم أجد أي إطار قانوني أو ترتيبي (منشور، على الأقل) يحدد هذا، رغم استناد عدة أوامر حكومية إلى أمرين، وهو سنة 1992، وآخر سنة 2000، لا وجود لهما في الرائد الرسمي. هناك من أشار لاختلافات عينية، كنوع السيارة مثلاً. فمن له رتبة وزير، يمكنه أن يتمتع بمرسيديس، ومن هو برتبة كاتب دولة يتمتع بأودي، وهكذا. تحدثت سعاد عن “القيمة المعنوية” لكاتب الدولة، وهذا جعلني أتساءل – إن كانت صادقة – عن أي أثر معنوي قد يكون لمثل هاته الرتبة؟ وعلى من؟ الإدارة مثلاً؟
  2. الانتفاضة الشعبية التي قامت للذود عن السلطة المحلية، وهذا أمر جيد ومحمود ويبشّر بالخير، إلا أنني التمست لبساً، تأكدت منه لاحقاً بعد البحث عن كل من تمتع برتبة وامتيازات كاتب الدولة، أو وزير. لقد تم منح هاته الامتيازات لأشخاص من مختلف السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية. مدير ديوان المجلس الوطني التأسيسي ومجلس نواب الشعب مثلاً. الرئيس الأول لمحكمة التعقيب (الذي كانت له رتبة كاتب دولة والآن رتبة وزير، بأمر حكومي – نعم، بعد إرساء المجلس الأعلى للقضاء) والمحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات. هل يمثّل هذا تدخّلاً في السلطة التشريعية أو القضائية؟ سؤال أطرح حقيقة لا تهكماً.
  3. رد رياض المؤخر حول عدم وجود تنصيص في القانون على هاته رتبة كاتب دولة غير دقيق. هناك قوانين تنص على منح رتبة وزير أو كاتب دولة لمن يتقلد منصب ما: مثلاً، لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أجر وزير،كما ينص القانون المنظم لها. قانون المحكمة الدستورية كذلك ينص على أن رئيس المحكمة يتمتّع بتأجير وامتيازات وزير، وأعضاء المحكمة على بتأجير وامتيازات كتّاب دولة، في الفصل 23 من القانون المنظم لها. مقارنة برئيس الهيئة الوطينة لمكافحة الفساد مثلاً، والذي لا ينص المرسوم المحدث لهيئته على الرتبة التي يتمتع بها، بل ينص على أن تحديدها يكون بأمر في الفصل 24، وهو ما تم في أمر تسمية شوقي الطبيب. لقد نفى القانون المتعلق بالأحكام المشتركة للهيئات الدستورية تحديد أي امتيازات مسبقاً، وجعلها كذلك مضبوطة بأمر – حكومي، نعم! هيئات دستورية مستقلة.

هل معنى رتبة أو كلمة “كاتب دولة” أو “وزير” له دخل بالسلطة التنفيذية؟ ممكن. لكن هناك معنى يتجاوز السلطة التنفيذية، بدليل أن القانون الخاص بالتصريح بالمكاسب ينصّ على أنه، إضافة إلى أعضاء الحكومة ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم، يجب على كل من يتمتع برتبة وامتيازات وزير أو كاتب دولة أن يصرّح (الفصل 5).  دلالات المفردات أمر مهم، إلا أن العرف قد يعكس استعمال مختلف لها.

رغبة سعاد بن عبد الرحيم الملحة في أن تصبح رئيسة بلدية “برتبة كاتبة دولة” قد تعكس عادة تم العمل بها من سنة 2000 – حيث يتم بعد تسمية رئيس البلدية، إسناده رتبة وامتيازات كاتب دولة. تم هذا مع عباس محسن سنة 2000، ومع محمد الباجي بن مامي سنة 2010، مع العمل أنه لا تنصيص لهذا في القانون الأساسي للبلديات، لأن المنح والامتيازات تضبط بأمر – نعم، مثل مجلة الجماعات المحلية حالياً في الفصل 6 منها. يجدر التأكيد على أن سيف الله لصرم، رئيس بلدية تونس منذ سنة 2011 إلى 2018 بعد تسميته رئيساً للنيابة الخصوصية في المدة المذكورة، لم يتمتع بامتيازات ورتبة كاتب دولة.

بحثت عن كل من تم إسناد رتبة وامتيازات كاتب دولة أو وزير إليه في موقع legislation.tn. لدي شكوك في كون الموقع يبحث في كل الأسماء الممكنة (سيأخذ هذا حيزاّ آخر في مقال آخر)، إلا أنه يمكن استنتاج بعض الأمور البسيطة:

  1. من 52 امتياز كاتب دولة، تم منح 6 منها فقط لنساء.
  2. من 34 امتياز وزير، تم منح 1 فقط لامرأة: لمياء الزريبي (والتي تمتّعت بامتيازات كاتب الدولة أيضاً).

على أي أساس يتم إسناد امتيازات ورتبة كاتب الدولة أو وزير؟ لا أعلم. من المؤكد أنه أمر يضبطه القانون أحياناً، وعرف غير مدون أ حيان أخرى.

المؤكد هو أن شيخ المدينة ليس هو رئيس بلدية تونس تاريخياً، بل هو الوالي، الذي كان يترأس رئيس بلدية تونس، والذي كان ينتخبه أعضاء المجلس البلدي، إلى أن أتى ما خالف ذلك بعدها.

أضف تعليق