إلى مجلس نواب الشعب، في دورته الخامسة

يفتتح مجلس نواب الشعب اليوم الدورة الخامسة والأخيرة له منذ انتخابه سنة 2014. أفكار كثيرة تختلجني، فالأمل المصاحب لكل دورة يتلاشى بعد كل دورة – عامل الخبرة لا الإحباط طبعاً.

إلى السادة نواب الشعب، رفقاً بآجال الانتخابات، وليهدف عملكم إلى احترامها – لا تعجيل ولا تأجيل – بل تفادياً لأي تصويت قد يسرّع من خروجكم وكل خطر داهم قد يمدّد لكم ولرئيس جمهوريتنا العزيزة. الثقة التي تمنحونها أو تبقون عليها أو تسحبونها هي امتدادٌ لثقتكم في قراراتكم، وحجم مسؤولية تفويض الشعب لسلطته لكم، أو لا تكون.

إلى السيد رئيس مجلس نواب الشعب، ونائبه الأول، ونائبته الثانية، رفقاً بالجلسات العامة التي تديرونها، وبكل نائب أو نائبة تطلب نقطة نظام – أولئك هم صوتنا نحن من هم خارج أسوار مجلس نواب الشعب، مهما اختلفت ألوانهم السياسية.

إلى مكتب مجلس نواب الشعب، برئيسه وأعضائه الممثلين للكتل النيابية كافة، فليسطر ما تبقى من عملكم سياسة الديمقراطية التشاركية التي نصّ دستور الجمهورية التونسية عليها في توطئته: فليعمل المكلّف بالتشريع على ضمان أفضل طريقة للتشريع ولا أسرعها، والمكلف بالعلاقة مع الحكومة ورئاسة الجمهورية على فرض هيبة الهيكل التشريعي الحقيقية ووقف مد توغل السلطة التنفيذية، وليعمل المكلف بالعلاقات القضائية والهيئات الدستورية على تجنّب الثغرات القانونية لا تصيّدها، وليحرص المكلف بالعلاقات الخارجية على أن يكون في الانفتاح على الخبرات الأجنبية تطويراً لنا لا تلميعاً، وأن يحرص المكلف بالعلاقات مع المواطن ومع المجتمع المدني على أن تكون القاعدة فتح الأبواب للجميع لا غلقها وإن اشتدت الأمور وكَثُرت الأصوات، وأن يكون دور المكلف بالتونسيين بالخارج خلق الجسور بين الناخبين في الخارج لا إقصائهم، وأن يعمل المكلف بالإعلام والاتصال على الدفاع على ضرورة نشر كل ما يمكن نشره للجميع في كل صوره الممكنة من قرارات ونتائج تصويت وروزنامة عمل، وأن يحرص المكلف بالتصرف العام على حسنه، وأن يعكس المكلف بالرقابة على تنفيذ الميزانية التزام المجلس بما يشرّع له نظرياً من نزاهة، وأن يحرص المكلّف بشؤون النواب على أن يتحصّل كل نائب على كل معلومات تلزمه لحسن القيام بوظيفته – هم 217 فقط!

إلى لجان مجلس نواب الشعب القارة – حاضنة مشاريع ومقترحات القوانين إلى حد الموت أحياناً! أتمنى أن تشهد جدران قاعاتك على اجتماعات مبرمجة، واضحة، لا غفلة فيها ولا سرية، وأن تكون مكلّلة بكل من يتابع من صحفيين ومواطنين منتظمين وغير منتظمين، وألا تحفل مقاعد من تستمعون إليهم بمن تضاربت مصالحهم والقوانين التي بين أيديكم – أتمنى أن تطمحوا لأكبر عدد ممكن من المتدخلين وأقصى مدة ممكنة للاستماع، وألا تلجؤوا لقواعد هجينة تزيد من سماكة جدران مجلس نواب الشعب، وتزيد التشريع غلظة. أتمنى ألا يكون فخركم بسرعة تمرير القوانين، بل بنسبة حضور أعضائكم. أتمنى ألا نرى قوانين وأحكام تؤثر على واقع ومستقبل شعب كامل، تمر بأربعة نواب (مخيّرين أو مسيّرين، لا أعلم)، شاءت الأقدار أن يصوتوا على فصول القوانين التي بين أيديكم. أتمنى ألا تسمحوا لتوافقات مشبوهة لاحقة تجعل كل جهد بذلتموه يسقط في بالوعات اجتماعات لا يتابعها إلا من رضي رؤساء الكتل عنه، أو من رحم ربك. أتمنى أن تنشروا تقارير أعمالكم لكي نتابع معكم ما تتفوهون به عند نقاش كل قانون، فأنتم تقومون به باسمنا نحن، لا من أجل أسمائكم. أتمنى أن تتابعوا القوانين التي خرجت من مجلس نواب الشعب مروراً بكم – فأنتم تشرّعون وآخرون يظلمون، ولا يفعلون ما كنتم تقصدون، لو كنتم تعلمون!

إلى لجان مجلس نواب الشعب الخاصة، المتفرغة لمشاغلنا دون شغب الصياغة والنقاش والتصويت. استمعوا لنا: حول أمن لا يُشعرنا بالأمن، وحوكمة رشيدة مظاهرها باتت إنشائية بحتة، وتنمية جهوية خشبية، وشهداء ثورة وجرحاها لم ننشر أسماءهم رسمياً بعد، وفئات هشة تتسع كل يوم، وشؤون مرأة نزجها مع الأسرة وكل الفئات العمرية الأخرى، وتونسيين بالخارج يريدون المساعدة ولا يرون طرقاً ممكنة، وانتخابات شكوك تحوم حولها. أيتها اللجان الخاصة، عملكم أن تنظروا في المواضيع المذكورة – فانظروا ونظرّوا باسمنا، لا باسمكم!

إلى لجان مجلس نواب الشعب الخاصة غير القارة: أين هو التحقيق حول أوراق بنما؟ وشبكات التجنيد؟ وتصنيف تونس ملاذا ضريبياً؟ وفرز ملفات المترشحين للهيئة العليا المستقلة للانتخابات – عام قبل الانتخابات القادمة؟ حقّقوا وتحقّقوا وخاصة – خاصة – انشروا ما توصلتم إليه، فهو باسمنا جميعاً، وإن أمضيتم على التقارير بأسمائكم.

إلى كتل مجلس نواب الشعب: لستم أحزاباً بل تجمّعات نواب يربطهم شيءٌ ما – فليكن ذلك الشيء فكرة أو توجّه، لا مصلحة أو تقبّح. فليكن هوسكم بحسن التصويت لا الانضباط في التصويت، وبحر هائل يفصل الأول عن الثان. فليكن رؤساؤكم قادة منظمون لا طغاة مستبدون. فلنر نساء بينكم، مدراة لعين الحاسد والطامع!

إلى المعارضة في مجلس نواب الشعب: كرّمكم الدستور والنظام الداخلي بترؤس لجنة المالية، فلا تجعلوا التشريع المالي دماءً على أيديكم: قانون مالية 2019، قانون المالية التكميلي، وتنقيح قانون البنك المركزي التونسي، والقروض. لا تئدوا القانون الأساسي للميزانية، فإن خرجتم وهو قابع بين أيديكم، فقد نجحتم في أن تبقوا وحش إعداد الميزانية جاثماً كاتماً لأنفاس أي مصلح. إلى أغلبيتكم: مارسوا حقكم في تكوين لجنة تحقيق وترؤسها. في ماذا؟ في العنف المسلط على ناشطين وناشطات، وقضايا ترفع ضدهم لا لشيء بل لتمسكم بأفكار تحرجكم وزملائكم.

إلى الجلسة العامة في مجلس نواب الشعب: تبدئين اليوم عودتك التشريعية بنقاش مشروع قانون هيئة حقوق الإنسان، وهي بداية وردية رائقة. أتمنى ألا تتوجين قبّتك بخطاب من ينافي هاته الحقوق، ويصوت ضدها، وألا تكوني شاهدة زور على خطابات لا تمت لقرارات أصحابها بأي صلة. وخاصة، خاصة، أتمنى أن لا تصبحي مكتب ضبط يضع فيه النواب إمضاءاتهم باسمنا، بل أن تكوني المحدّدة لما نطمح إليه نحن. أتمنى ألا تكوني مقبرة المحكمة الدستورية، بل تربة خصبة لها.

مع فائق السلطة التي يضمنها لنا جميعاً الفصل 3 والفصل 31 من الدستور التونسي.

أضف تعليق