قانون المالية من التشريعات التي يتم اقتراحها من قبل الحكومة، وتتم مناقشتها والتصويت عليها من قبل مجلس نواب الشعب، كل عام، بآجال يضبطها الدستور في الفصل66. يمكن القول أن قانون المالية هو النافذة الأهم لمحاولة تقييم عمل الحكومة ومجلس نواب الشعب: فأحكامه ما هي إلا وعود تطرحها الحكومة ويوافق عليها المجلس، والميزانيات المرافقة له، والخاصة بكل وزارة وهيكل، ما هي إلا ترجمة لهاته الوعود. تعد الحكومة مثلاً بتعويض من تضررت فلاحته بالكوارث الطبيعية، فتعد بإحداث صندوق للتعويض، فيوافق المجلس عندما يصوّت على هذا الوعد، ونرى ترجمته في ميزانية وزارة الفلاحة – عدد الدنانير التي سيتم صرفها لتحقيق هذا الوعد.
عدد من الوعود يتطلب خطوة أخرى تلي مصادقة مجلس نواب الشعب، وأتحدث عن تلك التي يضبطها أمر حكومي يجب إصداره بعد المصادقة على قانون المالية من كل سنة. فعندما تعد الحكومة بالحط من ضريبة ما على قائمة منتوجات ما، ويوافق مجلس نواب الشعب على ذلك، بإمكانه أن يترك لها مجال تحديد قائمة هاته المنتوجات بأمر حكومي، يخرج من وزارة المالية بعد مناقشته في مجلس وزاري، وإمضاء وزيرها ورئيس الحكومة عليه. يجب التنبيه أن رغم مصادقة مجلس نواب الشعب على الوعد بتصويته، لن يمكن تطبيقه إلا بصدور الأمر الحكومي.
قمت بجرد كافة الوعود التي أتت بها قوانين المالية، ووجب أن يحددها أمر حكومي بعد المصادقة عليها في مجلس نواب الشعب، من قانون المالية لسنة 2015 إلى قانون المالية الحالي. تم التنصيص على 24 أمر حكومي على مر قوانين المالية الخمس (وهي أربعة وآخر تكميلي سنة 2015). خطر لي التأكد من صدورها، لأجد أن 11 أمراً حكومياً لم يصدر بعد، منهما اثنين تم التنصيص عليهما منذ سنة 2015.
الأوامر الحكومية التي تم التنصيص عليها ولم تصدر بعد هي كالتالي، حسب قوانين المالية:
- قانون المالية لسنة 2015:
- ضبط تدخلات صندوق إعادة هيكلة وتعصير القطاع البنكي
- ضبط شروط وإجراءات تطبيق الباب الرابع مكرر الخاص بإصدار معلومات ملزمة
- قانون المالية لسنة 2016:
- ضبط الطرق العملية لاستعمال جهاز تسجيل العمليات
- ضبط طريقة تأشيرة المصاريف ذات الصبغة السرية لرئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية ووزارة العدل والإدارة العامة للديوانة والمركز الوطني لرسم الخرائط والاستشعار عن بعد والوكالة الفنية للاتصالات
- طرق وإجراءات الانتفاع بإعفاء الفنيين المتخرجين من مدارس التكوين الفلاحي والفلاحين الشبان والمتعاضدين السابقين بتعاضديات فلاحية منحلة وغيرهم
- قانون المالية لسنة 2017:
- ضبط شروط وإجراءات الانتفاع بالامتياز المنصوص عليه بالفصل 67 والخاص بدعم مؤسسات الصحافة المكتوبة التي شهدت تراجعاً في رقم معاملاتها
- ضبط نسبة مردود المساهمة على بيوعات التبغ المصنع والوقيد وورق اللعب والبارود لتمويل حساب دعم الصحة العمومية
- قانون المالية لسنة 2018:
- صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية
- مساهمة المصرحين في صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية
- إحداث الهيئة العامّة للجباية والمحاسبة العمومية والاستخلاص
- شروط وإجراءات الانتفاع بالامتياز الجبائي الخاص بالمؤسسات الخاصة المنتصبة بمناطق التنمية الجهوية والناشطة في جميع القطاعات الاقتصادية لتشجيع انتداب حاملي شهادات التعليم العالي
- الامتياز الخاص بمؤسسات الصحافة المكتوبة
علماً وأن الأمر الحكومي الأخير، جاء منقّحاً للأمر المذكور في قانون المالية لسنة 2017، ولم يصدر أي منهما (بعد؟).
ما معنى عدم صدور الأوامر الحكومية المذكورة أعلاه؟
يعني هذا مثلاً، أن الحكومة لم تضبط بعد طريقة تدخل صندوق خاص بتعصير القطاع البنكي، رغم وعدها بذلك منذ سنة 2014 (السنة السابقة للمصادقة على قانون المالية لسنة 2015). يعني أيضاً أن الحكومة لم تحدد طرق التأشير على المصاريف ذات الصبغة السرية في عدد من الهياكل منها رئاسة الجمهورية، رغم موافقة مجلس نواب الشعب على هذا الوعد في أول قانون مالية له، سنة 2015. وهذا كذلك يعني أن الحكومة لم تصدر الأوامر التي تحدث صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية، ولم تضبط مقدار مساهمة المصرحين فيه، رغم، وهنا المفارقة، رغم تحديدها لقائمة المنتوجات التي سيوظف عليها معلوماً لفائدة الصندوق، منذ أوت من هاته السنة.
وهذا يعني كذلك، أن الحكومة كانت قد تعهدت منذ سنة 2017 بمنح مؤسسات الصحافة المكتوبة التي تواجه تراجعاً في رقم معاملاتها امتيازاً ضريبياً، بمباركة مجلس نواب الشعب، وكررت ذلك في 2018، ولم تضبط بعد كيفية الانتفاع بهاته المساعدة.
أما المعنى الأهم للتنصيص على أوامر حكومية لا تخرج، رغم مرور 1389 يوم من المصادقة على البعض منها في قانون المالية، هو أننا بصدد التشريع لأمور لا نتلزم بها، وأننا كل عام نزيد من عدد الوعود التي لا نفي بها، وأن عملية أخذ القرار الحالية تسمح بتشريع خشبي، يبقى قائماً وإن كان فارغاً، وأن كل هذا يتم باسمنا نحن.
من باب الطرفة الحقيقية، أسرع أمر حكومي خاص بقانون المالية، تم إصداره منذ سنة 2015، هو الأمر عدد 161 لسنة 2017، وهو الخاص بضبط صيغ برنامج خط تمويل لدعم قطاع السكن في إطار البرنامج الأول. صدر هذا الأمر الحكومي بعد 45 يوماً من تأريخ قانون المالية لسنة 2017، إلا أن المفارقة كانت حين طالب مجلس نواب الشعب بتعديله، لمحاولة الحكومة ببعث روح في الأمر، تختلف عمّا تم المصادقة عليه تحت قبة المجلس.
ينص الدستور على أن ال15 من أكتوبر من كل سنة، هو يوم جلاء مشروع قانون المالية، من الحكومة إلى مجلس نواب الشعب. ترى، هل يشهد قانون المالية لسنة 2019 أحكاماً ووعوداً، تستعمرها أوامر حكومية وهمية؟ تبقى الحكومة دوماً مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب، كما ينصّ الفصل 95 من الدستور.
تجدون كافة الأوامر الحكومية ههنا.
* تمّ تعديل هذا المقال بتاريخ 16 أكتوبر 2018 بعد قراءة متمعّنة من قبل أمين علوش، والذي لاحظ خطأً في عدد الأوامر الحكومية الصادرة، والخاصة بقانون المالية لسنة 2018، حيث تم إدراج أمر حكومي خاطئ، ليصبح عدد الأوامر الصادرة 4 عوض 5
الفصل 66 من الدستور:
يرخص القانون في موارد الدولة وتكاليفها حسب الشروط المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية.
يصادق مجلس نواب الشعب على مشاريع قوانين المالية وغلق الميزانية طبق الشروط المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية.
يُقدَّم مشروع قانون المالية للمجلس في أجل أقصاه 15 أكتوبر ويصادق عليه في أجل أقصاه 10 ديسمبر.
يمكن لرئيس الجمهورية أن يرد المشروع إلى المجلس لقراءة ثانية خلال اليومين المواليين لمصادقة المجلس عليه. وفي صورة الرد، يجتمع المجلس للتداول ثانية خلال الأيام الثلاثة الموالية لممارسة حق الرد.
يجوز للأطراف المشار إليهم بالمطة الأولى من الفصل 120، خلال الأيام الثلاثة الموالية لمصادقة المجلس للمرة الثانية بعد الرد أو بعد انقضاء آجال ممارسة حق الرد دون حصوله، الطعن بعدم الدستورية في أحكام قانون المالية أمام المحكمة الدستورية التي تبتّ في أجل لا يتجاوز الأيام الخمسة الموالية للطعن.
إذا قضت المحكمة بعدم الدستورية، تحيل قرارها إلى رئيس الجمهورية الذي يحيله بدوره إلى رئيس مجلس نواب الشعب، كل ذلك في أجل لا يتجاوز يومين من تاريخ قرار المحكمة. ويصادق المجلس على المشروع خلال الأيام الثلاثة الموالية لتوصله بقرار المحكمة الدستورية.
عند إقرار دستورية المشروع أو عند المصادقة عليه ثانية إثر الرد أو عند انقضاء آجال الرد والطعن بعدم الدستورية دون حصول أي منهما، يختم رئيس الجمهورية مشروع قانون المالية في أجل يومين. وفي كل الحالات يتم الختم في أجل لا يتعدى 31 ديسمبر.
إذا لم تتم المصادقة على مشروع قانون المالية في أجل 31 ديسمبر، يمكن تنفيذ المشروع فيما يتعلق بالنفقات، بأقساط ذات ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بمقتضى أمر رئاسي، وتستخلص الموارد طبقا للقوانين الجاري بها العمل.