رسالة مفتوحة إلى صديق في ضيق

إلى صديق يرى العالم منتهياً والبلد منفلتاً والوقت منقضياً والنفس حائرةً والعين بصيرةً واليد طويلةً، وصديقة،

شكراً لمدّي بامتحان يسلّط الضوء على حدود الاتفاق العاطفي والأخلاقي والموضوعي، في ظلّ الخيار السياسي.

ورغم جهلي بما تفعل، وجهلك بدوافع ريبتي، فإننا لا نجزع من اختلافاتنا، وإن عجزنا على فضّها، فبإمكاننا دوماً أن نمنعها من أن تضحي خلافاً.

كلٌّ يرى التغيير من موقع ماضيه وأفق مستقبله وقوة حدسه، وصدّقني، أحاول جاهدة ألا أصدر أحكاماً، وإن كان في التغيير الذي تطمح إليه خطر على التغيير الذي أرى. لأن التغيير الحقيقي هو ألا يشطب الخيار السياسي، وهو توجه نسلكه في واحد من عدة مكوّنات لكياناتنا، ألا يشطب قيمة باقي مكونات من نكون.

شكراً لأنك جعلتني أتساءل: عندما يصبح الصديق خصماً لخيار قام به، أو لخيار لم أقم به، ما الفرق بين مساعدته، وتقوية خصم سياسي؟ هل من خط يفصل بينهما وإن كان بغلظة الشعرة؟

هل يمكن أن يكون لصديقين حقيقيين نظرة مختلفة للبعد الزمني: أي أن أرى في الخمس سنوات القادمة متسعاً للتفكير، ولا ترى أنت إلا اليوم، وضرورة شعرية تسمح لك بتجاوز مبادئ ظننتنا اتفقنا عليها سابقاً؟ لعلني أخطأت في تقديري لمدى تجاوز خيارك للمبادئ، أو في مدى اتفاقنا عليها، أو في ماهيّتها.

أعتقد أننا نشرف على لحظة فارقة، قد عاشها جيل سبقنا عندما سقطت أقنعة عن وجوه البعض، ونعيشها نحن عن سابق إصرار وترصّد.

لن أهضم أبداً ما رأيته في عينيك من رغبة في إثبات الذات، وبحث عن قيمة لنفسك، لا عن معنى لها. لن أهضمه وإن ساعدني حبّي غير الموضوعي لك على بلعه، وأنتظر بفارغ الصبر أن يُلفظ من أول ثقب يجده في طريقه. أنت أكبر من أن تجد قيمتك في هياكل نكوّنها نحن لتحسّن من حياتنا نحن، لسبب واضح: القيمة فيم ننتج لا لما ننتمي. وأجدك، ككثيرين غيرك، تبرّر الانتماء إلى مجموعة من أشخاص يجمعهم البحث عن قيمة للذات، إلى أن يأتي ما تفرزونه من أفكار، فإما يخالف ما جمعكم أو يعزّز ذلك.

مهما كان خيارك، أشاركك ما أعتقد: لن يكون الخوف أو الذنب دافعاً جيّداً لأي تغيير يُذكر، وإن غير أحدهما شيئاً، فنحو التطويل من عمر الوضع الحالي.

أعلن من هنا فتح هاته الرسالة، لتتبعها خواطر مستقبلية يثيرها هروب العديدين المريب، من الواقع إلى الهياكل، لا الأفكار.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s