الخيط الأبيض من الأسود مع التلفزة التونسية

أعلن رمضان 2019 مسلسلاً درامياً يموّله كل تونسي وتونسية من جيبه وتنقل حلقاته التلفزة بشكل متقطّع، لا اسم له سوى “موسيقى العشوائية والأخطاء”، أو “ضريبة وخراب”.

وهنا، أتحدث عن “الأخطاء” العشوائية التي لاحظها متفرجو التلفزة الوطنية منذ اليوم الأول لرمضان حينما أطربت أذاننا بدعاء لرئيس مخلوع وزوجته، انتهاءً إلى اليوم، حينما أفطر الصائمون والصائمات على أذان الفجر.

ولئن آنست التلفزة الوطنية أمسياتنا الرمضانية الافتراضية بفكاهة لا تضاهي أكثر الكاميرات الخفية إضحاكاً، فقد قررّتُ تجاوز مرحلة القهقهة والولوج سريعاً إلى دواعي البكاء، وأظنه القمر ووجهه المتقلب كمزاجي ومزاج التلفزة الوطنية، لأفطر على ميزانية التلفزة الوطنية.

رئاسة الحكومة تعطي 13% من ميزانيتها لمؤسسة التلفزة التونسية

قد يفسّر إدراج ميزانية التلفزة الوطنية ضمن ميزانية الحكومة إطلاق البعض عليها اسم “قناة حكومية”، عوض “عمومية”، لكن هذا موضوع (مهم) آخر أحاول التطرق إليه في مقال ويوم آخرين. سأكتفي هنا بعرض بعض الأرقام الخاصة بالتلفزة التونسية التي أخطأت في الأذان والدعاء.

مجموع ميزانية مؤسسة التلفزة التونسية لسنة 2019 يصل إلى أكثر من 60 مليون دينار تونسي، تنقسم مواردها كالآتي:

1.png

أي أن 41.15% منها مموّل من ضرائب دافعيها.

مقارنة بسيطة بميزانية هياكل أخرى تؤثر في حياتنا بشكل مباشر (كالتلفاز)، وتدرج في ميزانية رئاسة الحكومة، نجد الآتي:

2.png

طبعاً، لا مجال لمقارنة ما تتطلبه التلفزة التونسية (تلفزتين) من أموال، وما تتطلبه الإذاعة التونسية (10 إذاعات)، وما تتطلّبه المحكمة الإدارية (مقرّ مركزي و12 دائرة ابتدائية)، وغيرها من الهياكل. لا تصحّ المقارنة إلا عندما نقتنع أن ما يذهب إلى مؤسسة ما، هو مال لا يذهب إلى مؤسسة أخرى.

أين تصرف التلفزة التونسية أموالها؟

ككلّ مؤسسة، للتلفزة الوطنية أموال تذهب إلى تسيير أمورها اليومية، وأخرى “للتدخل”، وأخرى “للتنمية”. تنقسم نفقات مؤسسة التلفزة التونسية كالتالي:

3

كتلة الأجور في ميزانية مؤسسة التلفزة الوطنية تساوي 63% من مجموع الميزانية، ويتم صرفها على هذا العدد من الأشخاص:

4.png

لم أقول هذا؟

ليس حباً في سياسات التقشف، أو مفردات صندوق النقد الدولي. أقول هذا لأن كل هاته الأموال لم تكن كافية لوضع الأذان والدعاء الصحيحين.

فلا بد أن الإشكال مختلف، والخلل يقبع في مكان آخر؟

تنمية مؤسسة التلفزة التونسية

لاشك أن برمجة أذان المغرب كل يوم، وخاصة في أيام رمضان، أمر يمكن القيام به بطريقة رقمية، لا تجعل منه متغيّراً تضطرب له النفوس، وإن كانت الصلاة خير من النوم. الرقمنة والاستثمار فيها، وفي القليل من التخطيط، لا يغيب عن ميزانية مؤسسة التلفزة التونسية، كما نلاحظ في هذا التقسيم:

5

إن غروب الشمس كل يوم واضح للعيان، وبن علي قد هرب فعلاً منذ سنة 2011، ولا يتطلب أي من هاته الحقائق تأكيد من التلفزة التونسية. إلا أن نفس هاته التلفزة مسؤولة عن نقل الأخبار، وتوفير مادة إعلامية دقيقة وذات جودة. وهي التلفزة التي ستتحمل مسؤولية عظيمة في حملة انتخابية مسعورة.

أعتقد أن توقعاتنا من هذا المرفق العمومي هي أن يتصبب السياسيون منه عرقاً، لا أن نموت من دعائه ضحكاً.

****

مصدر كل هاته الأرقام والمعطيات هو ميزانية رئاسة الحكومة لسنة 2019، وتجدونها هنا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s